الخميس، 3 مايو 2012

وسائل الإعلام خلال الثورة التحريرية الكبرى 1954-1962


مقدمة
   أدركت الثورة الجزائرية منذ اندلاعها بأن الإعلام يعد أحد الوسائل الرئيسية في مواجهة الاستعمار إلى جانب قوة السلاح . وبناء لهذه الأهمية جاء توظيف مختلف وسائل الإعلام والدعاية في هذه المسيرة النضالية ، سواء منها التقليدية كالصحف والبرامج الناطقة باسم الحركة الوطنية والبيانات ، أو الجديدة مثل الإذاعة والسينما ، والمسرح . وغيرها من الوسائل الأخرى .
     ونظرا لدور الإعلام بمختلف وسائله نبين في هذه الدراسة وسائل الإعلام التي استخدمتها الثورة في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وذلك لبلوغ جملة من الأهداف : 
1 ـ الدعاية للثورة في أوساط الشعب الجزائري ، وإلى الحكومة الفرنسية والرأي العام الفرنسي ، وإلى الرأي العام العالمي من أجل استمالتها لقضيتها العادلة .
2 ـ الرد على الإعلام الفرنسي وتصريحات القادة السياسيين والعسكريين الفرنسيين التي كانت تقلل من شأن الثورة ، وزرع الشكوك في نفوس الجزائريين تجاهها. 
   ونسوق في هذا التقديم جـملة من وسائل الإعلام المستعملة منها البيانات والمواثيق والنشرات كبيان أول نوفمبر ، ومواثيـق الثورة الأخرى كميثاق الصومام ، التي ركزت على هذا الجانب في الحرب . والصحافة وهي الوسيلة التي استعملها الجزائريون في فترة المقاومة السياسية على الخصوص على نطاق واسع رغم محاربة الجهاز الاستعماري لها في كل الفترات . والإذاعة وهي الوسيلة التي تعتمد على الصوت ومخاطبة الناس بطريقة مباشرة ، مما يكون لها كبير الأثر في نفوس جموع المخاطبين المعنيين من الجزائريين . وذلك عبر المحطات التي كانت في البلاد العربية ، إلى جانب الإذاعة السرية بالجزائر . وعندما تشكلت الحكومة المؤقتة سنة 1958 ، تشكلت لديها وزارة الأخبار التي كانت تتولى نشر أخبار مختلف نشاطات الثورة . وفي سنة 1961 تشكلت وكالة الأنباء الجزائرية ، على نمط وكالات الأبناء في الدول المستقلة . إلى ذلك ساهم المسرح والسينما في تمثيل بعض المعارك ، وممارسات الجنود الفرنسيين ضد السكان وتدمير ممتلكاتهم .
حاجة الثورة إلى الإعلام :
   هناك تعريفات عديدة للإعلام تختلف في الأسلوب ولكنها تلتقي كلها في المضمون نسوق واحد منها فقط : الإعلام هو تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعه من الوقائع أو مشكلة من المشكلات بحيث يصير هذا الرأي تعبيرا موضوعيا عن عقلية الجماهير واتجاهاتهم وميولهم.
ومن أهم الأهداف التي سعت الثورة إلى بلوغها خلال تلك الفترة :
1 ـ اتصال الثورة بالشعب وإبلاغ المواطنين حقيقة ما يجري من صراع مسلح مع العدو.
2 ـ تعبئة الجماهير الشعبية لتلتف حول الثورة بغية التحرر والاستقلال.
3 ـ تحصين المواطنين الجزائريين من الإعلام الاستعماري وحربه النفسية والإيديولوجية. 
4 ـ مواجهة إعلام العدو والرد عليه ودحض دعاياته.
   ولبلوغ هذه الأهداف استعملت الثورة مختلف وسائل الإعلام والاتصال نذكرها فيما يلي.    
1 ـ البيانات والمواثيق :
بيان أول نوفمبر 1954:
   يعد بيان أول نوفمبر أول عمل إعلامي يوزع على نطاق واسع يعلن عن ميلاد الثورة الجزائرية ، ويستطيع اختراق إعلام الاستعمار بنجاح تام ويتوجه إلى الجماهير الجزائرية ليخاطبها بلغة الثورة والتحرر ، وقد وجدت صداها الكبير لدى الجماهير لتعبئتها .
   ومما يلاحظ عن البيان أنه بدأ بمسألة ذات بعد إعلامي صريح وهو يخاطب الشعب الجزائري وإلى المناضلين ، ويتجلى ذلك في العبارة (( إليكم نتوجه بندائنا هذا ، أنتم الذين ستحكمون لنا أو علينا ، إلى الشعب الجزائري بصفة عامة وإلى المناضلين بصفة خاصة، وغرضنا من نشره ، هو أن يوضح لكم الأسباب العميقة التي دفعتنا إلى الكفاح ، وذلك بأن نشرح لكم برنامجنا ونبين لكم صحة آرائنا ومغزى كفاحنا المبني على أساس التحرر الوطني في نطاق الشمال الإفريقي، كما نرغب في أن نزيل عنكم البلبلة التي يعمل على تنميتها الاستعمار وعملاؤه من الإداريين والسياسيين المتعفنين )) . فقد كتب البيان وفق منهج تتجلى فيه المبادئ الإعلامية التي اتبعتها جبهة التحرير في الفترة ما بين 1954 وأوت 1956 وهي :
1 ـ تحديد الجمهور المخاطب
2 ـ التحصين ضد محاولة التزييف
3 ـ الالتزام بمبادئ الثورة والعمل على توضيحها
3 ـ كشف الحقيقة أمام الجماهير والصدق في الأخبار (1)
   ويتميز البيان بمبدأ النقد الذاتي عندما تعرض إلى حالة الخمول والعمل البطيء لانعدام التأييد الواجب من الرأي العام . ومن أجل تفادي هذا التراجع في النضال أكد البيان على ضرورة كسب الرأي العام وتوحيده حول حركة التحرير الوطني وهذا من خلال دعوة جميع الجزائريين إلى الكفاح المسلح. كما أشار البيان إلى تصفية الاستعمار باستعمال كل الطرق المتاحة بواسطة تعبة الجماهير ، وتدويل القضية الجزائرية بمساندة حلفائها التاريخيين وهم العرب وكل القوى المحبة للعدل. وأضاف البيان : (( استمرار الكفاح بكل الوسائل إلى أن تتحقق أهدافنا وذلك طبقا للمبادئ الثورية ومراعاة للظروف الداخلية والخارجية)) . ويفهم من هذا النص ان الوسائل الإعلامية ستكون في المقدمة وستلعب دورا هاما وأساسيا في تحقيق وإنجاز هذه المهمة.
ميثاق الصومام 1956:
   لقد جاء مؤتمر الصومام بالعديد من الحلول التي كانت تواجهها الثورة الجزائرية في مجال الإعلام والدعاية ، فقد تطرق في منهجه السياسي وفي قراراته إلى هذا المجال . فقد فصل في الجانب الذي عانت منه الدعاية الجزائرية والمتمثل في انعدام التنسيق بين الأجهزة الإعلامية الناطقة باسم الثورة ، إذ تقرر إلغاء كل طبعات جريدة (المقاومة الجزائرية) وتعويضها بجريدة (المجاهد) .
   لقد حدد مؤتمر الصومام الجبهات الإعلامية وأولويتها بالنسبة للثورة والوسائل الدعائية الملائمة لكل جبهة على النحو التالي :
أ ـ الشعب الجزائري في المدن والقرى.
ب ـ جيش التحرير الوطني .
الجبهة الخارجية ، وتمثل : 
أ ـ الرأي العام العربي وخاصة المغرب العربي . 
ب ـ الرأي العام الآسيوي والإفريقي.
ج ـ الرأي العام الغربي مع التركيز على الرأي العام الفرنسي.
   وأشار المؤتمر غلى ضرورة الابتعاد عن الدعاية الكاذبة والاعتماد على الحقائق (( وأن تكون الدعاية ناضجة وجدية وموزونة وما كرة على ألا تفتقر إلى الصلابة والصراحة والاتقاد الثوري )) .
   وقد ورد في القسم الثالث من المنهج السياسي للميثاق عنوان : ’’ وسائل العمل والدعاية’’ ومما جاء فيه :
* الرد بسرعة وبوضوح على جميع الأكاذيب واستنكار أعمال الاستفزاز وتعريف أوامر جبهة التحرير الوطنية بنشر مكاتب كثيرة ومتنوعة تبلغ جميع الدوائر حتى المحصورة منها .
* إكثار مراكز الدعاية وتزويدها بآلات المتابة والطباعة والورق ( لنسخ الوثائق الوطنية وطبع المنشورات المحلية)
* طبع رسائل في الثورة ونشرة داخلية للتعليمات والارشادات الموجهة للإطارات (2)
وهكذا اهتمت هذه المواد بوسائل الإعلام والدعاية فيما يتعلق بما هو مكتوب كما ركزت على ضرورة إسماع الناس كلهم لصوت الثورة ، حتى يوضع حد لأكاذيب المستعمر ، وتبليغ أوامر جبهة التحرير الوطني بالإكثار من نشر مكاتب الدعاية ، وطبع رسائل ونشرة داخلية خاصة بالإطارات . وتزويد هذه المراكز بالإمكانيات التقنية اللازمة .
2 ـ الصحافة :
وكانت تنقسم إلى ثلاثة مجموعات : صحف الولايات ، صحيفة المجاهد، صحف التنظيمات الشعبية .
صحف الولايات
   كانت ولاية الأوراس أول من أصدرت نشرة صحفية في سنة 1955 اسمها (الوطن) ، تصدر باللغة الفرنسية ، تتضمن أخبار الولاية وردود بعض دعايات الصحف الغربية ، وبعض الأخبار العالمية ، ثم أصدرت الولاية الثالثة نشرة اسمها ( الجيل) . الولاية الرابعة أصدرت نشرة اسمها ( حرب العصابات) . وكان يتم تبادل الأنباء بين الولايات عن طريق اللاسلكي. كان عددها حوالي خمسة عشر نشرة صحفية نصف شهرية.
المجاهد:
     ظهرتْ صحيفة " المجاهد " اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني  لأول مرة كنشرة للثورة الجزائرية  في جوان من سنة 1956  بالجزائر، باللغة الفرنسية ثم  تُرجمت بعد ذلك إلى اللغة العربية . وقد جاء في افتتاحية  العدد الأول ما  يلي :
ستكون " المجاهد " بالإضافة إلى جريدة " المقاومة الجزائرية"  اللسان الناطق المأذون له  أن يتكلم باسم جبهة التحرير الوطني كما سيكون المرآة  التي تنعكس فيها نشاطات  جيش التحرير الوطني وستتبوأ "المجاهد مكانتها  لتكون سمعَ الرأي العام وبصره وصوته  ولتزوّد الشعب بالأخبار الحقيقية  فتكون صلة الوصل  بينه وبين مجاهدي جيش التحرير الوطني. "
   ومنذ  ذلك الحين، بعد صدورها، قامت صحيفة" المجاهد " بدور فعال وأساسي  في إبلاغ الرأي العام الدولي  بحقيقة الثورة الجزائرية ، وكذا أداة لتعبئة الرأي  العام الداخلي  وتوجيهه  في التقاط  المعلومات  الحقيقية التي هو في حاجة ماسة إليها قصد تتبع مسار الثورة  وجنود جيش التحري الوطني في عملياتهم  المتواصلة ضد القوات الاستعمارية ، وسرد مراحل المقاومة الباسلة التي يبديها الشعب الجزائري  .
   وكان لهذه  الصحيفة خاصة  وإعلام الثورة عامة  مجموعة من الأهداف كان  يجب الوصول إليها ، وهي الحرب الأخرى للمقاومة.
   أما الآن فسنذكر بعض المعطيات عن الجريدة :
   صدر أول عدد من جريدة ’’المجاهد’’ في الجزائر العاصمة في جوان 1956 في شكل نشرية مقاسها 27 x 31 سم . وتواصل صدورها حتى العدد رقم: 6 في جانفي 1957 ، أي بمعدل عدد واحد كل شهر . وخلال معركة الجزائر كشفت مطبعة المجاهد، وكان وقتها العدد السبع تحت الطبع ، فأتلفت قوات الاحتلال المطبعة والوثائق ولم يرى العدد السابع النور .
   وكانت صحيفة أخرى ناطقة باسم الثورة اسمها ( المقاومة الجزائرية) كانت تصدر في ثلاث طبعات مختلفة في كل من فرنسا وتونس والمغرب ، وكانت الطبعات الثلاثة تتسرب سرا إلى داخل الجزائر عن طريق المناضلين ، ولم يكن ناك تنسيق في العمل بين الطبعات الثلاثة ، نظرا لظروف النضال . ولما انعقد مؤتمر الصوما في أوت 1956 تقرر إلغاء كل الطبعات وتوحيدها في جريدة واحدة هي المجاهد ن واعتبارها اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني . على هذا الأساس استأنفت المجاهد صدورها. على شكل جريدة مطبوعة
   انتقل إصدارها إلى مدينة تطوان بالمغرب الأقصى ، حيث صدر فيها ثلاثة أعداد ( 8 إلى 10 في سبتمبر 1957) . وكانت الطبعة التطوانية باللغتين العربية والفرنسية . كان يشرف على رئاسة التحرير رضا مالك ، ويشرف على الإخراج وسكرتارية التحرير محي الدين موساوي .
   صدر العدد الحادي عشر في فاتح نوفمبر 1957 ، انفصلت الطبعتان العربية والفرنسية . لكل منهما شخصيتها ، فلم تكن إحداهما ترجمة للأخرى .
صحف أخرى خلال الثورة:
    إلى جانب المجاهد صدرت صحف أخرى خلال فترات مختلفة أثناء الثورة، منها جريدة ’’العامل الجزائري’’ لسان حال الاتحاد العام للعمال الجزائريين ، وجريدة ’’ الشباب الجزائري ’’ لسان شباب جبهة التحرير الوطني . والنشرات المختلفة التي كانت تصدرها الولايات داخل الجزائر ، وكذلك النشرات التي أصدرها اتحاد الطلبة الجزائريين.
   وكانت وزارة الأخبار تصدر نشرة سياسية نصف شهرية باللغتين العربية والفرنسية في 12 صفحة ، يمكن اعتبارها صورة مصغرة من المجاهد . كما صدرت في شهور مار وماي وجوان 1960 نشرة شهرية تشمل أهم التعليقات والأشعار والأخبار التي كانت تذاع في (( صوت الجزائر)) في إذاعة تونس .
   وكانت بعض النشرات والمطبوعات السياسية التي أصدرتها وزارة الأخبار في بعض المناسبات السياسية لتوضيح بعض جوانب الحرب التحريرية أو الرد على الدعايات الفرنسية مثل : 
1 ـ الثورة الجزائرية . تحرير الجزائر.
2 ـ إفريقيا تتحرر.
3 ـ إفريقيا في طريقها إلى التوحد.
طبعت هذه النشرات الثلاث في جانفي 1960 بمناسبة المؤتمر الثاني للشعوب الإفريقية . وهناك نشرات أخرى :
1 ـ ’’ النابالم في الجزائر ’’، في أوت 1960.
2 ـ ’’ معسكرات التعذيب ’’ ، في أكتوبر 1960.
3 ـ ’’ عبر ولاية الجزائر’’ ، في مارس 1960.
4 ـ ’’ الجميع جزائريون ’’ ، في مارس 1961 .
5 ـ ’’ صحراء الجزائر ’’، في أوت 1961.
3 ـ الإذاعة السرية :
   بدأ إرسال الإذاعة السرية بجهاز إرسال من نوع PC630 متنقل عبر شاحنة من نوع تم الحصول عليها من القاعدة الأمريكية بالقنيطرة بالمغرب عام 1956.وكان من تحصل على هذه الشاحنة رشيد زغار (3) وكانت تبث برامجها متنقلة في منطقة الريف الذي كان خاضعا للاستعمار الأسباني لمدة ساعتين في اليوم على الموجات القصار. ساعة بالعربية ونصف ساعة بالأمازيغية ونصف ساعة بالفرنسية . وكان الإعلان عن برامج الإذاعة بهذه العبارات:
 ’’ هنا إذاعة الجزائر الحرة المكافحة’’
’’ صوت جبهة التحرير وجيش التحرير الوطني يخاطبكم’’
 ’’ من قبل الجزائر’’
  وكان يشرف على تسيير هذه المحطة عدد من المناضلين نذكر منهم مدني حواس ، عبد السلام بلعيد ، عبد المجيد مزيان وغيرهم .
   وعملت السلطات الاستعمارية على التشويش على برامجها عن طريق بث أغاني عربية من مركز إذاعي بالجزائر على نفس موجات الإذاعة السرية، كما عمدت في العديد من المرات إلى تحديد مكان تواجد السيارة لتدميرها. وتمكنت في إحدى المرات من تحديد موقعها فأرسلت طائرة أطلقت أنوارا كاشفة تمهيدا لقنبلتها، غير أن يقظة الحراسة وسرعة التصرف أفشلت المحاولة .
   وتوقت الإذاعة عن البث لأشهر عديدة بين عامي 1957 ، 1958 لعدم قدرة الجهاز المتنقل على مواجهة الاحتياجات اللازمة .
   مرحلة الاستقرار:
   اقتنت الجبهة أجهزة جديدة تم تنصيبها بالقرب من مدينة الناضور بالاتفاق مع المسؤولين المغاربة ، ونصبت آلات البث على بعد 15 كلم . وعاد البث مرة أخرى مما كان عليه، ابتداء من 12 جويلية 1959. وكان البث يتم على ثلاث فترات تدوم كل واحدة ساعتين :
فترة صباحية ابتداء من الخامسة صباحا .
فترة عند الزوال ابتداء من الساعة الواحدة .
فترة مسائية ابتداء من الساعة الثامنة، وهي الفترة الرئيسية .
   وكانت مصادر الأخبار في مرحلة التنقل مستقاة في أغلبها من مختلف الإذاعات ، أما بالنسبة للإذاعة الثابتة فكانت تعتمد على منشورات الثورة وفي مقدمتها جريدة المجاهد، وكانت الإذاعة تعطي أهمية لأدب الثورة ، وبث توجيهات القيادة الثورية والقيام بتحليلها وبث الأناشيد الوطنية والحماسية .ومن أهم برامج الإذاعة السر
الجزائر في أسبوع ، من أدب الثورة ، أخي المواطن ثق في نفسك ، قارتنا السمراء. (4)
   استطاعت جبهة التحرير الوطني في أواخر عام 1956 أن تتحصل على جهازين كبيرين من القواعد الأمريكية ، التي كانت تستعمل في ربط وحدات الجيش على المسافات البعيدة ، وقد تم استعمالهما في البث الإذاعي بعد إدخال عليهما بعض التعديلات . وهكذا بدأت إذاعة الجزائر تبث برامجها يسيرها جزائريون من جنود ومناضلين من جبهة التحرير الوطني ، وفي خطابها للشعب الجزائري كانت تستعمل العبارات التالية : ( هنا الجزائر الحرة المكافحة ، صوت جبهة التحرير وجيش التحرير الوطني يخاطبكم من قلب الجزائر) (5).
     وفي عام 1957 شرعت قيادة الثورة في تكوين عدد من المتربصين في مجال الإشارة، من صفوف الطلبة المضربين عن الدراسة الذين التحقوا بالثورة منذ ماي 1956 . وقد تم تدعيم هؤلاء المتكونين بخمسين جهازا من ألمانيا الفدرالية من نوع ( AngRC9). وقد ساعد هذا على توسيع شبكات الاتصال في جميع أرجاء ولايات الوطن .

صوت العرب من القاهرة:
   اعتمدت الثورة الجزائرية في بداية الأمر على إذاعات بعض الدول العربية التي وقفت إلى الثورة ومن هذه الإذاعات ، إذاعة صوت العرب من القاهرة التي لعبت دورا حاسما في بث أخبار الثورة الجزائرية ابتداء من سنة 1955 ، وذلك من خلال ثلاثة برامج :
1 ـ برنامج ( جزائري يخاطب الفرنسيين) باللغة الفرنسية ، من تقديم عدة بن قطاط ، وكان هذا البرنامج يذاع من إذاعة القاهرة الدولية موجه إلى فرنسا لمدة ربع ساعة مساء كل يوم.
2 ـ برنامج ( صوت جبهة التحرير الوطني يخاطبكم من القاهرة) كان يبث من إذاعة صوت العرب باللغة العربية تعليق سياسي يومي ، وبعد تكوين الحكومة المؤقتة أصبح يحمل عنوان : ( صوت الجمهورية الجزائرية) يذاع بالفرنسية.
 صوت الجزائر من تونس:
   بدأ البث في تونس عام 1956 برنامج يحمل عنوان ( هنا صوت الجزائر المجاهدة الشقيقة)، كان يذاع ثلاث مرات في الأسبوع لمدة ساعة . كان يبث أخبار عسكرية وتعليق سياسي.
صوت الجزائر من دمشق كا السيد محمد مهري يقدم من إذاعة دمشق برنامج ( صوت الجزائر الثائرة)، وهو يحتوي على أخبار عسكرية وتعليق سياسي وتحليل إخباري . توقف هذا البرنامج عن البث سنة 1961 بعد انفصال سوريا عن مصر ، إذ أعرب المسئولون الجدد في سوريا على ضرورة مراقبة نص المادة الإعلامية ن فرفضت البعثة الجزائرية وأمرت بوقف الحصة.
صوت الجزائر من بغداد:
 ابتداء من سنة 1958 تمكن حامد روابحية الذي كان رئيسا للبعثة الجزائرية ببغداد من تقديم برنامج إذاعي خاص بالثورة الجزائرية بعدما أذن له عبد الكريم قاسم بذلك.
صوت الجزائر من ليبيا: 
كان في ليبيا محطتين إذاعيتين هما :
محطة طرابلس : كانت تبث حصة ثلاث مرات في الأسبوع ، تتضمن أنباء عسكرة وتعليقا سياسيا تحت إشراف بشير قاضي ، ثم تلاه محمد الصالح الصديق.
محطة بنغازي: كانت تبث هي الأخرى حصة ثلاث مرات في الأسبوع . كان ينشط الحصة عبد الرحمن الشريف والليبي عبد القادر عوقة ، ثم عين لمين بشيشي على رأس المكتب الجزائري ابتداء من شهر ماي 1956.
4 ـ وزارة الأخبار لدى الحكومة المؤقتة منذ 1958
   بعد تشكيل الحكومة المؤقتة في سبتمبر 1958 ، أصبحت فيها وزارة سميت بـ ’’ وزارة الأخبار’’ تتولى مهمة الدعاية والإعلام وكان على رأسها السيد محمد يزيد . كانت هذه الوزارة مسؤولة عن كل ما يتعلق بالعمل الإعلامي للثورة من إصدار النشرات السياسية وعقد المؤتمرات الصحفية للرد على الدعايات الفرنسية المغرضة . كما كانت تشرف على وسائل الإعلام الأخرى مثل مكاتب الإعلام الخارجي ، وجريدة المجاهد والإذاعة ولجان الدعاية الداخلية. وقامت الوزارة بإنشاء قسم للسينما في سنة 1959 ، وأسست الوكالة الجزائرية للأنباء سنة 1961، وأنشأت مكتبا للوثائق والمعلومات يقوم بجمع ما يكتب عن القضية الجزائرية في الصحافة العالمية ، وإبلاغ وزير الأخبار أثناء تنقلاته بملخص عما كتبته الصحافة العالمية عن القضية .
5 ـ مكاتب الإعلام في الخارج :
   كان الإعلام الخارجي للثورة الجزائرية يعتمد في البداية على النشرات والتصريحات التي تصدر عن جبهة التحرير الوطني في مكاتبها بالخارج تحت اسم ( بعثة جبهة التحرير الوطني ) التي كانت تقوم بالدعاية والنشاط الدبلوماسي في نفس الوقت .
   وكان أول مكتب إعلامي فتح في القاهرة سنة 1955 ، ثم فتحت مكاتب أخرى في بعض البلدان العربية ، في دمشق وبيروت وجدة وعملن وطرابلس ، أما تونس والمغرب فقد فتح بهما مكاتب بعد استقلالهما سنة 1956.
   وفي مارس 1956 فتحت الجبهة مكتبها الإعلامي في نيويورك . وفي أفريل وماي 1956 فتحت مكاتب جديدة في جاكرتا ونيودلهي وكراتشي . وفي عام 1957 فتحت مكاتب في الدول الاشتراكية ، براغ ، موسكو ، بكين ، بلغراد ، وفي أمريكا اللاتينية فتحت الجبهة مكاتبها في البرازيل والأرجنتين . وتمكنت الجبهة من تحدي الدعايات الفرنسية أمام الرأي العام الأوربي وفتحت مكاتب إعلامية في لندن واستكهولم وروما وبون وجنيف خلال سنة 1958.
   وفي إفريقيا بدأت الجبهة نشاطها فيها بعد مؤتمر أكرا عام 1958 ، فبعد حصلت بعض الدول الإفريقية استقلالها بادرت إلى فتح مكاتب إعلامية في كل من أكرا ، وبماكو. وفي شرق إفريقيا حيث ظلت معظم دوله خاضعة للاستعمار اكتفت الجبهة بإرسال بعثات دعائية إلى كينيا وأوغندا وتنجانيقا.
   أما الدول التي لم تعترف بالحكومة المؤقتة فكانت بها مكاتب إعلام تحت اسم ( بعثة جبهة التحرير) . وفي الدول التي لم توافق على فتح مكاتب إعلام رسمية للثورة الجزائرية، فقد كانت الثورة تقوم بنشاطها الإعلامي فيها من خلال سفارات الدول العربية
   وكانت مكاتب الإعلام تقوم بتوزيع المجاهد والنشرات والتصريحات الرسمية، وتشرف على إعداد التعليقات التي تذاع في الإذاعة ، وتتلقى الأخبار العسكرية وتقوم بتوزيعها على الصحف المحلية ، وتقوم بإعداد نشرة يومية عن تطورات القضية الجزائرية وتوزيعها على الصحف والسفارات .
6 ـ السينما:
     أنشأت وزارة الأخبار في الحكومة المؤقتة في سنة 1959 قسم للسينما ، الذي كان يعد الأفلام التسجيلية عن المعارك ، وأعمال حرق الجنود الفرنسيين للقرى والمدن ، ويصور نضال أفراد المجتمع الجزائري بمختلف شرائحه ضد الاستعمار. وفي سنة 1960 تم عرض فلم ( جزائرنا) في مهرجان ليبزيغ بألمانيا الشرقية وحصل على جائزة . كما أعد هذا القسم ستة أفلام تسجيلية وتم توزيعها على محطات تلفزيونية بسم بعض الشركات العالمية (6).
7 ـ المسرح :
   في الوقت الذي كان الاستعمار يشدد فيه قبضته على الشعب الجزائري ، كان المسرح يهيئ لثورة عارمة بدأت تظهر في الأفق ، واستمر نشاطه حتى سنة 1954 حين اندلعت الثورة ، وفي هذه الفترة لقي المسرح ضغطا وتضييقا كبيرين، ولهذا اضطر المسرح أن يلجأ إلى الخارج للقيام برسالته النضالية .
   وقد مر المسرح في المهجر بفترتين من حيث نوعية النضال السياسي . كانت الفترة الأولى من 1955 إلى 1958 في فرنسا ، والثانية من 1958 إلى 1962 بتونس .
   أما الفترة التي كانت في فرنسا لم تعرف كثير من التأثير في مسار الثورة بسبب الضغوط الاستعمارية التي كانت لا تسمح بالنشاط المسرحي المرتبط بالعمل السياسي .
   أما في تونس فقد عمل المسرح على تعميق الكفاح النضالي ضد الاستعمار. فكان بمثابة المنبر الذي كان يعلو منه صوت الجزائر وتحول إلى بندقية بيد كل فنان مسرحي بعد أن تأسست الفرقة الفنية الوطنية في شهر أفريل 1958 بتونس وكانت جبهة التحرير الوطني في شهر نوفمبر 1957 قد وجهت نداءات إلى جميع الفنانين الجزائريين لتكوين فرقة فنية ترد على المزاعم الفرنسية والبرهنة أن الجزائر لا يربطها أي رابط . ومن الإنتاج المسرحي المرحلة الخالدة من تاريخ المسرح الجزائري مسرحية ( النور) وهي عبارة عن لوحات من كفاح الشعب ، (أولاد القصبة) لعبد الحليم رايس ، و ( الخالدون ) و ( دم الأحرار) ، وكان مصطفى كاتب هو الكتب المسرحيتين الأخيرتين ، وأخرج المسرحيات الأربع (7).
8 ـ الرياضة :
   تكون فريق جبهة التحرير الوطني في عام 1957 من هواة كرة القدم وأعضاء في فرق متفاوتة المستوى تابعة لبعض الأندية الجزائرية
   وكان الهدف من تكوين هذا الفريق :
1 ـ التعريف بالقضية الجزائرية في الأوساط الشبابية العربية والجماهير الواسعة عموما .
2 ـ جمع التبرعات لفائدة الثورة .
   وقد زار الفريق العديد من الدول العربية ، مثل ليبيا والعراق ، السعودية . وكان مرفوقا ببعض قادة الثورة في مقدمتهم العقيد أوعمران .
   وكان بعض اللاعبين الذين كانوا ينشطون في الأندية الفرنسية قد تركوا أنديتهم ولبوا نداء الثورة في تكوين فريق تحت لواء جبهة التحرير مثل رشيد مخلوفي ، وبوبكر ، وبن تيفور ، وزيتوني وغيرهم . صدى إعلاميا كبيرا في الأوساط الفرنسية ، الشبانية منها على الخصوص .
   بدأ الفريق نشاطه تحت إدارة الراحل بومزراق في نطاق المغرب العربي . كما قام بجولات في بلدان أوربا الشرقية والصين ، وقد كسب هذا الفريق محبة هواة هذه اللعبة في تلك الدول(9).
9ـ دور الشعر    لا شك أن الأدباء والشعراء الجزائريين كانوا في طليعة من تغنى بالثورة والحنين إلى الاستقلال والحرية ، بل شاركوا الشعب نضاله فمنهم من صعد إلى الجبال مجاهدا ومنهم من سجن أو اعتقل أو استشهد في ميدان الشرف ، ويكفي أن نقرأ إنتاجهم لنعرف مدى تعبيرهم عن آلام الشعب وأحلامه ومدى تعلقهم بالحرية والاستقلال .
   لقد كرس الشعراء نصوصا كثيرة ف تمجيد الثورة ووصف معاناة الشعب الجزائري من ظلم الاحتلال ، بل أنهم تحدثوا عن الحرية وقيمها قبل الثورة بالرمز تارة وبالتصريح تارة أخرى. وطالما استغلوا مناسبات وحتى الكوارث لحث الشعب عن الثورة من اجل الحرية ويقول مفدي زكريا إثر زلزال الأصنام في سبتمبر 1954 .
ولا خير فيها إذا لم تثر   لتنـسف بالنار أغلالها
   وكذلك فعل محمد آل خليفة في قصائد قبل نوفمبر الذي رمز للحرية برموز إنسانية رائعة.وحين تفجرت الثورة انطلق الشعراء يؤيدونها ويناضلون بالكلمة دفاعا عن الحرية
   ويرد مفدي زكريا على خداع فرنسا فيقول:
              يا فرنـسا كفى خـداعا فانا     يا فرنسا لقد مللنا الوعودا
           نحن ثرنا فلات حين رجوع     أو ننال استقلالنا المنشودا
   وقد استنفدت الدعوة إلى النضال من الشعراء سواء من يكتبون القصيد أو أصحاب الشعر الحر إلا وحث الشعب عن الثورة والاستمرار فيها ، وهناك من الشعراء من أصر على الحرية الكاملة لا المنقوصة ، هذه الحرية لا يخققها إلا الكفاح المسلح والتضحيات والدم لا المؤامرات أو لوم الخطباء يقول مفدي زكريا:
مصيرنا بالدم الغالي نقرره   في محفل الموت لا في عقد مؤتمر(10)
   إلى جانب الشعر الفصيح كان الشعر الشعبي رديف السلاح وصوت المجاهدين ، كما كان عاكسا لآلام الشعب الجزائري الناتجة التسلط الاستعماري .فقد كان الأديب الشعبي يروي قصة شعبية أو أشعارا تثير حماس الناس ، وذلك من خلال تجواله في القرى والأرياف بعيدا عم ا
   فيما يلي نماذج من هذه الأشعار :



المراجع:
(1). أحمد حمدي : الثورة الجزائرية والإعلام ، منشورات المتحف الوطني للمجاهد ، ط.2، ص.41. 
(2). ميثاق مؤتمر الصومام ، الوثيقة السياسية الأولى للثورة الجزائرية، في مجلة أول نوفمبر ، اللسان المركزي للمنظمة الوطنية للمجاهدين ، العدد : 51 ، 1981، صص. 30 ، 45. 
(3)( هناك من قال أنه اخلسها من داخل القاعدة الأمريكية ، وهناك من أكد بأنه اشتراها من أحد الضباط كاانت له معه صلة)
(4) ( الأمين بشيشي : دور الإعلام في معركة التحرير، الثقافة ، وزارة الثقافة الجزائر ، العدد 104 ، 1994 ، صص.54-59.  
(5) التسلح والمواصلات أثناء الثورة التحريرية 56-62 ، منشورات وزارة المجاهدين ، المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، الجزائر ، 2001 ، ص.21-.22
(6) عواطف عبد الرحمن ، الصحافة العربية في الجزائر ، دراسة تحليلية لصحافة الثورة الجزائرية 1954-1962، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر ، 1985 ، ص.62.
(7) بوعلام رمضاني ، المسرح الجزائري بين الماضي والحاضر ، المكتبة الشعبية ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر ، بدون تاريخ ، صص.21-22.

لمن يريد المزيد مدكرة تخرج بعنوان الإعلام ودوره في الثورة التحريرية الكبرى إظغط هنا